والحاصل أن العمدة في قبول العمل بعد رعاية أجزاء العبادة وشرائطها المختصة : النية الخالصة والاجتناب عن المعاصي ، كما قال تعالى :
{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }.. وقال سبحانه : { إنما يتقبّل الله من المتقين }.
قال الشيخ البهائي قدس سره : المراد بالنية الصادقة انبعاث القلب نحو الطاعة ، غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه ، لا كمن يعتق عبده مثلا ملاحظاً مع القربة الخلاص من مؤنته أو سوء خلقه ، أو يتصدّق بحضور الناس لغرض الثواب والثناء معاً ، بحيث لو كان منفرداً لم يبعثه مجرّد الثواب على الصدقة ، وإن كان يعلم من نفسه أنه لولا الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرد الرئاء على الإعطاء.
ولا كمن له وِرْد في الصلاة وعادة في الصدقات ، واتفق أن حضر في وقتها جماعة فصار الفعل أخفّ عليه ، وحصل له نشاط مّا بسبب مشاهدتهم ، وإن كان يعلم من نفسه أنهم لو لم يحضروا أيضا لم يكن يترك العمل أو يفتر عنه البتة.
فأمثال هذه الأمور مما يخل بصدق النية ، وبالجملة فكل عمل قصدت به القربة ، وانضاف إليه حظٌ من حظوظ الدنيا بحيث تركب الباعث عليه من ديني ونفسي فنيتك فيه غير صادقة ، سواء كان الباعث الديني أقوى من الباعث النفسي أو أضعف أو مساوياً.
ومن عرف معنى النية وخلوصها ، علم أنّ إخلاص النية أشدّ من جميع الأعمال.
ثم بيّن عليه السلام معنى العمل الخالص : بأنه هو العمل الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلاّ الله عزّ وجلّ ، لا عند الفعل ولا بعده ، أي يكون خالصاً عن أنواع الرئاء والسمعة ، وقد يقال :
لو كان سروره باعتبار أن الله تعالى قَبِل عمله حيث أظهر جميله كما روي في الحديث القدسي :
" عملك الصالح عليك ستره ، وعليّ إظهاره " ، أو باعتبار أنّه استدلّ بإظهار جميله في الدنيا على إظهار جميله في الآخرة ، أو باعتبار رغبتهم إلى طاعة الله وميل قلوبهم إليها ، لم يقدح ذلك في الخلوص ، وإنما يقدح فيه إن كان لرفع منزلته عند الناس ، وتعظيمهم واستجلاب الفوائد منهم ، فإنّه بذلك يصير مرائياً مشركاً بالشرك الخفيّ وبه يحبط عمله ، وهذا الكلام له جهة صدق ، لكن قلّما تصدق النفس في ذلك ، فإنّ لها حيلاً وتسويلات لا ينجو منها إلاّ المقربون. ص234