السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبتي في الله:
أقدم لكم هذه الخطبة بعنوان:
وفاء إمام الأوفياء صلى الله عليه وسلم
والتي ألقاها
فضيلة الشيخ أيمن سامي
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب70-71
أما بعد , أيها الأحبة في الله :
لما أظلمت الأرض بالبعد عن هدي الله عزوجل ,وضل كثير من الناس عن هدى الله , ونور الله نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب .
أما الغالبية العُظمى على وجه الأرض قُبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا في ضلال مبين ضاعت الحقوق , وأكل القوي الضعيف , وعُصي الملك جل وعلا بتجاوز حدوده
حتى أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري : " أنا البغايا كُنَ ينصبن أعلاماً على بيوتهن ليعرفن "
عند إذن أذن الله عزوجل
بمبعث خير الورى , وإمام الهدى نور الله عزوجل للبشرية أجمعين .
محمد ابن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه .
بعثه ربه من البشر ليُؤتسى به و يُقتدى بهديه صلوات ربي وسلامه عليه .
إنه هو النبي الأسوة يقول الله عزوجل في سورة الأحزاب : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }[21]
وكان من الممكن أن يكون النبي ملكاً , بل إن مشركي قريش كانوا يسألون لماذا لا يكون النبي ملكاً من الملائكة ؟
ولو كان ملكَ لجعله الله في صورة إنسان حتى يأنس الناس له ولا ينفروا منه
فكيف يكون النبي ملكاً والملائكة لا تأكل ؟!
كيف وهو على غير طبيعة البشر , كيف يكون أسوة للبشر ؟!
فبعث الله هذا النبي , النبي العربي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه ,بعثه هادياً ومبشراً ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا
فهيا يا أتباع النبي هيا يا من تحب حبيبك صلى الله عليه وسلم
نقف مع درس من دروس أخلاقه صلوات ربي وسلامه عليه
؛ لأتسي أنا وتأتسي أنت , لأقتدي أنا وتقتدي أنت .
فإن السيرة النبوية إن لم ننزلها إلى واقعنا العملي ظلت حبراً جافاً بدون تطبيق , وبدون أثراً في حياتنا .
إنها ليست قصص تروى لتسلية أو للإعجاب وهز الرؤوس , بل قصص فيه عبرة لؤلي الألباب لكي نقتدي ونأتسي بالنبي صلى الله عليه وسلم
خلقٌ من أخلاق الكُمل من الرجال , خلقٌ من أخلاق العظماء وهل يقدر على هذا إلا ذوي الفضل والهمم العالية .
إنه خلق الوفاء لقد نادى الله عزوجل في كتابه على أهل الإيمان : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }المائدة1
فإذا عاهد الإنسان وتعاقد فإنه يجب عليه أن يلتزم بهذا العقد مادام العقد مباحاً مشروعا .
وإن خلق الوفاء لهو أعم من هذا بكثير ولئن اختلفت عباراتُ العلماء في تعريف هذا الخلق إلا أنه أجل من أن يُعرف أولا نعرف
جميعاً الإنسان الوفي الذي يحمل الجميل ولا يخون ولا يغدر إنسان وفي .
خلق الوفاء أجل من أن يُعرف فهو معرفة بذاته .
نبينا صلى الله عليه وسلم هو إمام الأوفياء علم الدنيا كلها
الوفاء كيف يكون ؟ صلوات ربي وسلامه عليه
لقد كان وفي صلوات ربي وسلامه عليه منذ خلقه الله عزوجل .
وأجمل من هذا وأجل منذ بعثته
صلى الله عليه وسلم إلى لحظة وفاته صلوات ربي وسلامه عليه .
وسيأخُذك الحديث بين مكة والمدينة لترى هذا الخلق من إمام الأخلاق صلوات ربي وسلامه عليه كان وفياً كل الوفاء , كان عظيماً كان عظيماً , بل إماماً للعظماء صلى الله عليه وسلم ,
كان وفياً الوفاء كله
وأول ذلك وأولاه وفائه لدعوته :
لقد كان صلى الله عليه وسلم يحمل نوراً للبشرية هداية للعالمين فكان وفياً لهذه الدعوة صلوات ربي وسلامه عليه , وفياً لرسالته خاطبه الله عزوجل في بداية مبعثه , في بداية تنزل القرآن لم يتنزل من القرآن , ولما يتنزل إلا القليل ومع هذا قال الله له : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ }المزمل1
وقال له :
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ }[المدثر 2,1 ]
فخاطبه الله عزوجل ليقوم لدعوه صلوات ربي وسلامه عليه ,
فقام قياماً طويلا حتى إنه صلى الله عليه وسلم من وفائه لدعوته وحرصه على إيصال الهدى والنور لكل إنسان كان الهم والألم يعتصر قلبه صلى الله عليه وسلم حتى ليكاد يُؤثر في حياته وعاتبه ربه وهو الرفيق به بعتاب رفيق
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ }
لعلك قاتل نفسك من الهم والحُزن .
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ }
كِدت أن تُهلك نفسك ياحبيب الله ياحبيب رب العالمين ,
كِدت تقتل نفسك من الهم , والحُزن على هؤلاء المشركين أنهم لم يؤمنوا برب العالمين .
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } في سورة الشعراء
وفي الكهف {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً }
فكان الأسف , والحزن , والهم يملئ قلبه على المشركين فكيف بأتباعه المؤمنين ؟
ومع هذا كله وفي ظل عنت قريش وصدهم عن الدعوة إلى الله صُدودا عرضوا عليه المال , وعرضوا عليه الملك , وعرضوا عليه الجاه , وعرضوا عليه الزواج وهو صلى الله عليه وسلم يرد بكلمات الوفي لدعوته ورسالته : " لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه "
أي وفاءٍ أي وفاءٍ لدين الله ولدعوة الله هذا الوفاء .
ومن وفائه لدعوته :
يأخذنا الموقف مباشرة إلى الرجل الذي ساعده في دعوته , ووقف إلى جواره لكنه لم يكن مؤمنا إنه عمه أبو طالب وقف صلى الله عليه وسلم إلى جوار فراشه وعمه تخرج روحه من جسده قريب وفاته وهو يقول : " ياعم قل لا إله إلا الله كلمةً أُحاج لك بها عند الله " .
ومع ذلك مات كافراً لم يؤمن ؛ بسبب العُصبة الذين أحاطوا به وصدوه عن الدخول في الإسلام .
فلازال صلى الله عليه وسلم يحمل الوفاء لرجلٌ وقف إلى جواره ولكنه نبي الله يلتزم بشرع الله قال عن عمه لاستغفرن لك مالم أُنهى عنك سأستغفر لك ياعم سأستغفر الله من أجلك إلا إذا نهاني الله فتلك حدود الله ونزل قول الله : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى }التوبة113
فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم إلى هنا تقف حدود الوفاء .
وفاء لزوجة وقفت إلى جواره منذ بداية دعوته إنها خديجة رضي الله عنها لقد وقفت تلك المرأة بمالها وظلت تُنفق من مالها في سنوات الحصار حتى نفذ مالها وهي المرأة الغنية ذاتُ المال فماتت بعد عمه بشهرين ماتت رضي الله عنها , ولم تكن شُرعت صلاة الجنازة , ولم تكن شُرعت الصلوات الخمس ؛ لأنها شُرعت في الإسراء والمعراج وخديجة ماتت قبل الإسراء والمعراج .
فكفنها النبي صلى الله عليه وسلم وأدخلها إلى قبرها بيديه صلوات ربي وسلامه عليه .
وظل قلبه وفياً لها حتى بعد أن رزقه الله بأحب الناس إليه عائشة رضي الله عنها لازال صلوات ربي وسلامه عليه يحمل الوفاء لخديجة رضي الله عنها .
يجلس صلوات ربي وسلامه عليه
فيسمع صوتاً يشبه صوت خديجة وهو عند عائشة , ومنذ كم ماتت خديجة ؟ يحمل الوفاء لامرأة ميتة يسمع صوتاً يشبه صوتها ,
ومن صوتهُ يشبه صوتها ؟
إنها هالة أخت خديجة رضي الله عنها فيقول صلى الله عليه وسلم :
" اللهم هاله اللهم هاله فتدخل هالة فيهش لها النبي صلى الله عليه وسلم ويبش ولم يسأم صلى الله عليه وسلم يوماً ما من ثناءٍ على خديجة رضي الله عنها حتى إن عائشة رضي الله عنها حملتها الغيرة
وقالت لنبي صلى الله عليه وسلم : " عجوز من عجائز قريش – تعني خديجة رضي الله عنها – حمراء الشدقين – يعني سقطت الأسنان وبان حَمار اللثة
" عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها "
قالت عائشة رضي الله عنها : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً لم يغضب قبله مثله حتى قُتلت في جلدي و قلت في نفسي : " اللهم إن أذهبت غيض نبيك لم أعد أذكرها بسوء ما حييت " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : " كيف قلتِ ؟ لقد آمنتِ بي حين كفر بي الناس , وصدقتني حين كذبني الناس , وواستني ووقفت معي بمالها حين حرمني الناس - حين حرمني الناس - ورزقني الله منها الولد "
صلى الله عليك وسلم يا إمام الأوفياء , يا معلم الدنيا كلها الوفاء .
تدخل عليه امرأة عجوز في يوم من الأيام فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم - كيف أنتم ويسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم - كيف أنتم بعدنا ؟
فلما خرجت المرأة قالت عائشة لنبي صلى الله عليه وسلم :" تُقبل على هذه العجوز كل هذا الإقبال قال يا عائشة : إنها كانت تأتينا في زمان خديجة وإن حُسن العهد من الإيمان - وإن حُسن العهد من الإيمان - "
فانظر رحمك الله انظر رعاك الله كيف وفائه صلى الله عليه وسلم لمجرد امرأة كانت تأتيه في زمان خديجة ؟!
كيف وفى صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة ؟ "وإن حسن العهد من الإيمان " .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذبح شاةً قال : " أهدوا لصاحِبات خديجة " .
نعم إنه وفاءٌ يعز مثيله في هذه الحياة .
لقد تخطى وفائه صلى الله عليه وسلم الحدود حتى إنه صلى الله عليه وسلم ليفي مع يهود المدينة حين عاهدهم صلى الله عليه وسلم , فيفي لهم بعهدهم , ويُعاهد المشركين الذين صدوه عن البيت , ومنعوه عنه يُعاهدوه بمعاهدة في ظاهرها الجَور والظلم لرسول الله صلى الله عليه أنه من جاء مؤمناً من مكة إلى المدينة رده النبي صلى الله عليه وسلم يُعاهدهم صلى الله عليه وسلم ويفي لهم بعهدهم .
حتى يأتيه مؤمن ضعيف من مكة فيرده النبي صلى الله عليه وسلم
وفاءاً بالعهد ويقول صلوات ربي وسلامه عليه مقالته الشهيرة : " نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم "
" نفي لهم بعهدهم ونستعين
الله عليهم "
{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }آل عمران76
حتى يدخل صلى الله عليه وسلم من جديدٍ إلى مكة فهاهي الأصنام تتهاوى وهاهم أهل مكة ينظرون إليه ماذا يصنع بهم ؟ أهله وأرحامه
صلوات ربي وسلامه عليه ماذا يصنع بهم ؟
فأطلق الطُلقاء وأمنهم في بيوتهم ودورهم , أمنهم صلى الله عليه وسلم إلا أربعة كانوا رأس حَربة على الدين خانوا وغدرُه فالآن ليس وقت أماني هؤلاء منهم عبد الله ابن خطل وقد أدركه الصحابة فقتلوه , ومنهم عبد الله ابن سعد ابن أبي السرح وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قادوه يقولون له :" بايع رسول الله والنبي صلى الله عليه وسلم يكُف يده ثلاثاً ثم بايعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمنه – أعطاه الأمان – لكنه قبل البيعة كان حلال الدم لما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين فيقول صلوات ربي وسلامه عليه بعد انصراف الرجل إلى الصحابة : " أما كان منكم رجلٌ رشيد - الحديث في صحيح مسلم- أما كان منكم رجلٌ رشيد يقوم إلى هذا فإنه آذى الله ورسوله فيقول عمر : " لو أشرت لنا يارسول الله بطرف عينك "
فانظر إلى الوفي صلوات ربي وسلامه عليه يقول صلى الله عليه وسلم : " ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين "
" ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين " .
صلى الله عليك وسلم يا معلم الدنيا كلها الوفاء .
ويدخل صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة , ومعه بلال كان عبداً حبشياً وأعتقه أبو بكر رضي الله عنه , ثم كان مؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالآن أوان الوفاء أصعد يا بلال على سطح الكعبة فاصدح بالأذان فيؤذن بلال رضي الله عنه والمشركون حول الكعبة يسمعون من هذا العبد الحبشي الذي يؤذن على ظهر الكعبة ويخرج صلى الله عليه وسلم من الكعبة ومعه بلال رضي الله عنه وعتبة ابن شيبة حامل مُفتاح الكعبة فيأتي علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ويقول يا رسول الله اجمع لنا بين السقاية والحجابة صلى الله عليك
اجمع لنا بين السقاية والحجابة
السقاية فيهم سقاية الحجيج
فأضف الحجابة - حجابة البيت - إلينا يعني أعطنا مفتاح الكعبة فيستدعي النبي صلى الله عليه وسلم حامل مُفتاح الكعبة وهو يومئذ مشرك ويعطيه المفتاح ويقول :" هو فيكم لا ينزعه منكم إلا غالب " وإلى يومنا هذا يبقى مُفتاح الكعبة تذكرة للأمة كلها بوفاء إمام الأوفياء , يبقى فيهم يتوارثونه فرداً بعد فرد يأتي حكام المسلمين وملوكهم عند باب الكعبة فلا يُفتح حتى يأتي حامل مُفتاح الكعبة وفاءاً لهم بعهدهم , وفاء لهذا العهد أن يبقى المُفتاح فيهم , وفاءاً لهم من إمام الأوفياء صلى الله عليه وسلم .
ثم آخر موقف في خطبتي الأولى هذه وسامحوني إن أطلت عليكم
فالحديث ذو شجون وأنا أختصر قدر الإمكان .
وفائه صلى الله عليه وسلم لمن آووه , وقربوه , وأدنوه , ودافعوا عنه , ووقفوا معه في دعوته أهل المدينة الأنصار رضي الله عنهم أجمعين .
فُتِحت مكة , ثم كانت حُنين بعد فتح مكة , وكان فيها ما كان فيها من قوة للمسلمين , وكان المشركون ثُلث عدد المسلمين ولما أُعجبوا بقوتهم في بادئ الأمر دالت المعركة على المسلمين ثم انتصروا بعد ذلك , وكانت الغنائم فحدث ولا حرج عن الأموال, جعل النبي صلى الله عليه وسلم يتألف القلوب , ويُعطي هذا ويُعطي هذا , فكأن أُناساً من الأنصار وجدوا في أنفسهم لماذا لم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ حتى كاد بعضهم أن يقول بل قال : " وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله – وجد أهله أهل مكة – فأعطاهم و ما أعطانا فاستدعاهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم : " يا معشر الأنصار ألم آتِكم ضُلالاً فهداكم الله بي ؟ ألم آتِكم في شتات فوحدكم الله بي ؟ " .
ونحو هذه الكلمات فقالوا : المن لله ورسوله , فقال صلى الله عليه وسلم , قال إمام الأوفياء : " إن شئتم فقولوا قد أتيتنا فقيراً لا مال لك فأغناك الله بنا , إن شئتم قلتم : قد أتيتنا ضعيفاً فقويناك قد أتيتنا مهزوماً فنصرناك " فقالوا : المن لله ورسوله فقال إمام الأوفياء قال إمام الأوفياء : " أما ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالدينار والدرهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ المحيى محياكم والممات مماتكم . فآثر صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً عن بلده يموت في مدينته ؛ لأنه آثر الحياة عندهم والوفاة عندهم صلى الله عليه وسلم وفاء لهم .
الناس شعارٌ , والأنصار دثار لولا الهجرة لكنت امرئ من الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " يقوله إمام الوفاء صلى الله عليه وسلم
وأقول قولي هذا وأستغفره ---
الخطبة الثانية :
الحمد لله كما ينبغي أن يُحمد , حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربي ويرضى , وأصلي وأسلم على من بعثه ربه رحمة للعالمين , ونور للدنيا أجمعين هادياً , ومبشراً , ونذيرا , وداعياً إلى الله بإذنه , وسراجاً منيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد , أيها الأحبة :
وخِتام هذا الوفاء العظيم ,
وفائه للرجل الذي وقف معه من أول دعوته إلى أخرها أبو بكر رضي الله عنه :إنه { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }التوبة40 ومن صاحبه إنه أبو بكر هذا الرجل العظيم .
وفى النبي صلى الله عليه وسلم له الوفاء كله , بل ترك النبي صلى الله عليه وسلم الميزان الأوفى لرب العالمين أن يُكافئ أبا بكر رضي الله عنه . فلما نزلت الحُمى بجسده صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة ونام في فراشه ولم يستطع أن يخرج ليصلي بالناس ؛ لأنه في مرض الوفاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحمل إلى الناس ليقول لهم كلمة الوداع صلوات ربي وسلامه عليه , فحُمل من حجرته الشريفة إلى المسجد حمله من الصحابة اثنان وقدماه تخُطان في الأرض صلوات ربي وسلامه عليه , حتى رقى المنبر وجلس عليه صلى الله عليه وسلم ووصاهم وصية الوداع فكان مما قال لهم : " أن جميع الأبواب التي تُودي للبيوت الملحقة بالمسجد تُغلق جميعاً إلا باب أبي بكر رضي الله عنه " , ثم يقول صلى الله عليه وسلم : " ما من رجلٍ له علينا يد – يعني فضل ما من إنسان صاحب فضل - ما من رجلٍ له علينا يد كافأناه عليها إلا أبو بكر يُكافئه الله عزوجل " .
وأما بنته بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها فوفاءاً لها يُمرض الرسول صلى الله عليه وسلم في حجرتها حتى كانت أخر لحظاته في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشر للهجرة , وينزل جبريل من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في آخر نزول له إلى الأرض سبق هذا الموقف بقليل .
دخول عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنه ومعه السواك , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبه السواك فنظر إليه فأُعجب به النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة لنبي صلى الله عليه وسلم : أُقربه لك فأشار برأسه - أي نعم – فلما وجده يابساً قالت عائشة رضي الله عنها : أُلينه لك فأشار برأسه – أي نعم – فلينت له السواك
فجمع الله بين ريقها وريق النبي صلى الله عليه وسلم في أخر حياته .
ثم نزل جبريل في آخر نزول له إلى الأرض يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ملك الموت يُسلم عليك ويستأذن في قبض روحك ,
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " قل له يمضي إلى ما أمره الله " ثم وضع رأسه صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة بين صدرها ونحرها وجعل يقول : بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى
وقبض الله على هذه الحال فياله من إمام وفي علم الدنيا كلها كيف يكون الوفاء ؟ وهذه حياته قد مررنا منها على شذرات لطبيعة الخطبة وأنها ينبغي أن تكون مختصرة فرأينا الوفاء في أبهى صورة .
فيا أحباب النبي , يا أتباع النبي صلى الله عليه وسلم هذا أوان وفائكم للحبيب صلى الله عليه وسلم انصروا سنته , انصروا شريعته , وفوا لإمام الأوفياء لقد تعب صلى الله عليه وسلم حتى يُوصل الدين إلينا .
فيا وفي أين أنت وقت أذان العصر ؟
لماذا صلاة العصر تختلف عن الجمعة ؟
أما ترون المسجد غاصاً بالمصلين إلى أبواب المسجد , أين هذه الجموع وقت صلاة العصر ؟ أهكذا الوفاء لنبينا صلى الله عليه وسلم ؟!
ينبغي أن نكون أوفياء لدينه وشريعته أولا, ثم أوفياء لكل من عاهدناهم , وعاقدناهم نوفي لهم بعهدهم حتى وإن كانوا من المشركين , ثم نفي لكل صاحب إحسان علينا نحمل له الجميل , هكذا علمنا إمام الوفاء صلى الله عليه وسلم .
اللهم اغفر لنا ما قدمنا , وما آخرنا , وما أسررنا , وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
اللهم مغفرة لذنوبنا , وعتقاً لرقابنا من النار .
اللهم إنا نسألك الجنة , ونعوذ بك من النار , اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل , ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .
رب اغفر لأبائنا وأمهاتنا , رب ارحمهم كما ربونا صغارا .
اللهم اغفر لأصحاب الحقوق علينا .
اللهم من أحسن إلينا فأحسن أنت إليه يا الله , اللهم أحسن إلى كل من أحسن إلينا , وجازه بالإحسان إحسانا , وبالسيئات عفواً وغفرانا .
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية , ولنبيك بالرسالة , وماتوا على ذلك , اللهم اغفر لهم , ورحمهم وعافهم , وعفوا عنهم , وأكرم نزلهم , ووسع مدخلهم , ورحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه .
اللهم أصلح جميع حكام المسلمين , وجعلهم رحمة على رعاياهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم بارك في بلدنا هذا مملكة البحرين ملكاً , وحكومةً , وشعبا .
اللهم ألف على الخير قلوبنا .
اللهم أرخص أسعارنا, وغزر أمطارنا , وارزقنا وأنت خير الرازقين وسائر بلاد المسلمين ياذا الجلال والإكرام .
اللهم صل على محمد , وعلى آل محمد , كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين , إنك حميد مجيد , وبارك على محمد , وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين , إنك حميد مجيد .
((الخطبة مفرغة من قِبل أخت فاضلة ..جزاها الله خيرا ))