محنةالبخاري
تعرض البخاري للامتحان والابتلاء، وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقونللمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البخاري لما له من مكانةعند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية، فأثاروا حولهالشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول: ذكر ليجماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليهفحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليهواجتماعهم عليه. فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوقفامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد اللهما تقول في اللفظ بالقران مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقالالرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليهالبخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة فشغبالرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
وقالوا له بعد ذلكترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوىمن حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته، وكان يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقدحدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته.
وبه قال وسمعتعبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إنأفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأماالقرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلامالله ليس بمخلوق قال الله تعالى {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت 49).
وقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوقفهو كافر.
وقال أيضا: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوانوبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لمأقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
وقال أحمد بن سلمة: دخلت علىالبخاري فقلت يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينة وقد لجفي هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض على لحيته ثم قال 'وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد' (غافر 44) اللهم إنك تعلم أني لم أردالمقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرئاسة إنما أبت علي نفسي في الرجوع إلىوطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي ياأحمد إني خارج غدا لتتخلصوا من حديثه لأجلي، فأخبرت جماعة أصحابنا فو الله ما شيعهغيري كنت معه حين خرج من البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره.
وقال محمد بن أبي حاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال يا أبا عبد الله إنفلانا يكفرك فقال: ' قال النبي صلى الله عليه وسلم:' إذا قال الرجل لأخيه يا كافرفقد باء به أحدهما' وكان كثير من أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقع فيك فيقول 'إنكيد الشيطان كان ضعيفا' (النساء 76)، ويتلو أيضا 'ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله' (فاطر 43) فقال له عبد المجيد بن إبراهيم كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونكويتناولونك ويبهتونك، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم 'اصبروا حتى تلقوني علىالحوض' وقال صلى الله عليه وسلم 'من دعا على ظالمه فقد انتصر'
--------------------------------------------------------------------------------
محنتهمع أمير بخارى
روى أحمد بن منصور الشيرازي قال سمعت بعض أصحابنا يقوللما قدم أبوعبد الله بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهلالبلد حتى لم يبق أحد إلا استقبله ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقيأياما قال فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى إن هذاالرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا لا نفارقه فأمره الأميربالخروج من البلد فخرج.
قال أحمد بن منصور فحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيمبن معقل النسفي قال رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فتقدمتإليه فقلت يا أبا عبد الله كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثرفقال لا أبالي إذا سلم ديني.
وروي عن بكر بن منير بن خليد بن عسكر أنه قال: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتابالجامع و التاريخ وغيرهما لأسمع منك فقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلىأبواب الناس فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو في داري وإن لم يعجبكهذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتمالعلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم 'من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار' فكانسبب الوحشة بينهما هذا.
--------------------------------------------------------------------------------
وفاةالبخاري
توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغاثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبيحاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقامعندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشىقدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبهافقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منهالعرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لناوأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلمادفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيضفي السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوايرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا علىأنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوايرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنهتداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعدوفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه منمذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلاالقليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعتعبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعهجماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسولالله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذاقد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
رحم اللهالإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسولالله (صلى الله عليه وسلم ).
ـــــــــــــ
المصادر:
(1) سير أعلام النبلاء.
(2) تاريخ بخارى.
(3) مقدمة صحيح البخاري.
اخوكم منتصر المدهون
لاتنسونا من صالح دعائكم